فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الألوسي:
وتعقبه مولانا الشهاب بأنه تخيل لا أصل له لأن التوبيخ مراد في الوجوه كلها، ولا يتصور حينئذ التوبيخ إلا بعد تحقق خلافه، مع أن كون هذا واقعًا بعد التبري في موقف آخر ليس في النظم ما يدل عليه ومثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هذا في موقف التبري والإشعار المذكور لا يتأتى مع أنه توبيخ.
وأما العلاوة التي زيل بها كلامه فواردة عليه أيضًا مع أنها غير مسلمة لأن عذاب البرزخ لا يقتضي أن يشفع لهم بعد ذلك فكم من معذب في قبره يشفع له اه.
وأنت تعلم أن عذابهم البرزخي إن كان بسبب اعتقادهم النفع فيهم ورجاء شفاعتهم وعلم أولئك المعذبون أن عذابهم لذلك فقوله: لأن عذاب البرزخ لا يقتضي إلخ ليس في محله، وكذا قوله: فكم من معذب في قبره يشفع له إن أراد به فكم من معذب لمعصية من المعاصي في قبره يشفع له من يشفع فمسلم لكن لا يفيد.
وإن أراد فكم من معذب في قبره بسبب عبادة شيء يشفع له ذلك الشيء فمنعه ظاهر كما لا يخفى فتدبر.
وقرأ يعقوب {يَحْشُرُهُمْ ثُمَّ يَقُولُ} بالياء فيهما والضمير فيهما لله تعالى.
وقوله سبحانه للمشركين: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} إما بالواسطة أو بغير واسطة.
والتكليم المنفي في قوله تعالى: {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ} [البقرة: 174، آل عمران: 77] إلخ تكليم تشريف ونفع لا مطلقا فقد كلم إبليس عليه اللعنة بما كلم.
والزعم يستعمل في الحق كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «زعم جبريل عليه السلام» وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه «زعم رسولك» وقول سيبويه في أشياء يرتضيها: زعم الخليل، ويستعمل في الباطل والكذب كما في هذه الآية.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب.
وكثيرًا ما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله وهو هنا متعد لمفعولين وحذفا لانفهامهما من المقام أي تزعمونهم شركاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} عطف على جملة: {ومن أظلم ممّن افترى على الله كذبًا} [الأنعام: 21]، أو على جملة {إنّه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21]، فإنّ مضمون هذه الجمل المعطوفة له مناسبة بمضمون جملة {ومن أظلم} ومضمون جملة {إنّه لا يفلح الظالمون}، لأنّ مضمون هذه من آثار الظلم وآثار عدم الفلاح، ولأنّ مضمون الآية جامع للتهديد على الشرك والتكذيب ولإثبات الحشر ولإبطال الشرك.
وانتصب {يومَ} على الظرفية، وعامله محذوف، والأظهر أنّه يقدّر ممَّا تدلّ عليه المعطوفات وهي: نقول، أو قالوا، أو كذّبوا، أو ضلّ، وكلّها صالحة للدلالة على تقدير المحذوف، وليست تلك الأفعال متعلّقًا بها الظرف بل هي دلالة على المتعلّق المحذوف، لأنّ المقصود تهويل ما يحصل لهم يوم الحشر من الفتنة والاضطراب الناشئين عن قول الله تعالى لهم: {أين شركاؤكم}، وتصوير تلك الحالة المهولة.
وقدّر في الكشاف الجواب ممَّا دلّ عليه مجموع الحكاية.
وتقديره: كان ما كان، وأنَّ حذفه مقصود به الإبهام الذي هو داخل في التخويف.
وقد سلك في هذا ما اعتاده أئمَّة البلاغة في تقدير المحذوفات من الأجوبة والمتعلّقات.
والأحسن عندي أنّه إنَّما يصار إلى ذلك عند عدم الدليل في الكلام على تعيين المحذوف وإلاّ فقد يكون التخويف والتهويل بالتفصيل أشدّ منه بالإبهام إذا كان كلّ جزء من التفصيل حاصلًا به تخويف.
وقدّر بعض المفسّرين: اذكر يوم نحشرهم.
ولا نكتة فيه.
وهنالك تقديرات أخرى لبعضهم لا ينبغي أن يعرّج عليها.
والضمير المنصوب في {نحشرهم} يعود إلى {من افترى على الله كذبًا} [الأنعام: 21] أو إلى {الظالمون} [الأنعام: 21] إذ المقصود بذلك المشركون، فيؤذن بمشركين ومشرَك بهم.
وللتنبيه على أنّ الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم جيء بقوله: {جميعًا} ليدلَّ على قصد الشمول، فإنَّ شمول الضمير لجميع المشركين لا يتردّد فيه السامع حتى يحتاج إلى تأكيده باسم الإحاطة والشمول، فتعيّن أنّ ذكر {جميعًا} قصد منه التنبيه.
على أنّ الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم، فيكون نظير قوله: {ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم} [يونس: 28] وقوله: {ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله} [الفرقان: 17] وانتصب {جميعًا} هنا على الحال من الضمير.
والمقصود من حشر أصنامهم معهم أن تظهر مذلّة الأصنام وعدم جدواها كما يحشر الغالب أسرى قبيلة ومعهم من كانوا ينتصرون به، لأنّهم لو كانوا غائبين لظنّوا أنّهم لو حصروا لشفعوا، أو أنّهم شغلوا عنهم بما هم فيه من الجلالة والنعيم، فإنّ الأسرى كانوا قد يأملون حضور شفائعهم أو من يفاديهم.
قال النابغة:
يأملْن رحلة نصر وابن سيّار

وعطف {نقولُ} بِ {ثم} لأنّ القول متأخّر عن زمن حشرهم بمهلة لأنّ حصّة انتظار المجرم ما سيحلّ به أشدّ عليه، ولأنّ في إهمال الاشتغال بهم تحقيرًا لهم.
وتفيد {ثم} مع ذلك الترتيب الرتبي.
وصرّح بِ {الذين أشركوا} لأنّهم بعض ما شمله الضمير، أي ثم نقول للذين أشركوا من بين ذلك الجمع.
وأصل السؤال بـ {أين} أنَّه استفهام عن المكان الذي يحلّ فيه المسند إليه، نحو: أين بيتك، وأين تذهبون.
وقد يسأل بها عن الشيء الذي لا مكان له، فيراد الاستفهام عن سبب عدمه، كقول أبي سعيد الخدري لمروان بن الحكم حين خرج يوم العيد فقصد المنبر قبل الصلاة {أين تقديم الصلاة}.
وقد يسأل بـ {أين} عن عمل أحد كان مرجوًّا منه، فإذا حضر وقته ولم يحصل منه يسأل عنه بِ {أين}، كأنّ السائل يبحث عن مكانه تنزيلًا له منزلة الغائب المجهول مكانه؛ فالسؤال بـ {أين} هنا عن الشركاء المزعومين وهم حاضرون كما دلّت عليه آيات أخرى.
قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله} [الصافات: 22].
والاستفهام توبيخي عمّا كان المشركون يزعمونه من أنّها تشفع لهم عند الله، أو أنّها تنصرهم عند الحاجة، فلمّا رأوها لا غناء لها قيل لهم: أين شركاؤكم، أي أين عملهم فكأنّهم غُيّب عنهم.
وأضيف الشركاء إلى ضمير المخاطبين إضافة اختصاص لأنّهم الذين زعموا لهم الشركة مع الله في الإلهية فلم يكونوا شركاء إلاّ في اعتقاد المشركين، فلذلك قيل {شركاؤكم}.
وهذا كقول أحد أبطال العرب لعَمرو بن معد يكرب لمّا حدّث عمرو في جمع أنّه قتله، وكان هو حاضرًا في ذلك الجمع، فقال له: مَهْلًا أبا ثور قتيلك يسمع، أي المزعوم أنّه قتيلك.
ووصفوا بـ {الذين كنتم تزعمون} تكذيبًا لهم؛ وحذف المفعول الثاني ل {تزعمون} ليعمّ كلّ ما كانوا يزعمونه لهم من الإلهية والنصر والشفاعة؛ أمّا المفعول الأول فحذف على طريقة حذف عائد الصلة المنصوب.
والزعم: ظنّ يميل إلى الكذب أو الخطأ أو لغرابته يتّهم صاحبه، فيقال: زعم، بمعنى أنّ عهدة الخبر عليه لا على الناقل، وتقدّم عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون} الآية في سورة [النساء: 60].
وتأتي زيادة بيان لمعنى الزعم عند قوله تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} في سورة [التغابن: 7]. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ}.
فيه خمسة أوجه:
أحدهما: أنه منصوبٌ بفعل مُضْمَرٍ بعده، وهو على ظرفيَّتِهِ، أي: يوم نحشرهم كان كيت وكيت، وحُذِف ليكون أبْلَغَ في التَّخْويفِ.
والثاني: أنه معطوفق على ظرفٍ محذُوفٍ، ذلك الظرف معمول لقوله: {لاَ يُفْلِحُ الظالمون} [الأنعام: 21] والتقدير: أنه لا يفلح الظَّالمونَ اليوم في الدنيا، ويوم نحشرهم، قاله محمد ابن جَريرٍ.
الثالث: أنه منصوبٌ بقوله: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ} [الأنعام: 24] وفيه بُعْدٌ لِبُعْدِهِ من عامله بكثرة الفواصِلِ.
الرابع: أنه مفعولٌ به باذكر مقدَّرًا.
الخامس: أنه مفعولٌ به أيضًا، ونَاصِبُهُ: احذروا أو اتَّقُوا يوم نحشرهم، كقوله: {واخشوا يَوْمًا} [لقمان: 33] وهو كالذي قبله فلا يُعَدُّ خامسًا.
وقرأ الجمهور {نَحْشرهم} بنون العظمة، وكذا {ثم نقول}، وقرآ حميد، ويعقوب بياء الغَيْبَةِ فيهما، وهو أنه تبارك وتعالى.
والجمهورعلى ضم الشين من {نَحْشُرهم}، وأبو هريرة بكسرها، وهما لغتان في المُضَارع.
والضمير المنصوب في {نحشرهم} يعود على المفترين الكَذِبَ.
وقيل: على النَّاس كلهم، فيندرج هؤلاء فيهم، والتَّوْبيخُ مختصُّ بهم.
وقيل: يعود على المشركين وأصنَامِهِمْ، ويدلُّ عليه قوله: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [الصافات: 22].
و{جَمِيعًا} حالٌ من مفعول {نحشُرهم} ن ويجوز أن يكون توكيدًا عند من أثْبَتَهُ من النحويين كأجمعين.
وعطف هنا بـ {ثُمَّ} للتراخي الحاصل بين الحَشْر والقَوْلِ.
ومفعولا {تزعمون} محذوفان للعلم بهما، أي: تزعمونهم شركاء، أو تزعمون أنهما شُفَعَاؤكم.
وقوله: {ثُمَّ نَقُولُ للَّذينَ} إن جعلنا الضمير في {نَحْشُرهم} عائدًا على المفترين الكذبَ، كان ذلك من باب إقامةِ الظَّاهرِ مقامَ المُضْمَرَ، إذ الأصل: ثم نقول لهم، وإنما أظْهِرَ تنبيهًا على قُبْحِ الشرك.
وقوله: {أيْنَ شُرَكاؤكُمْ}؟ سؤالُ تَقْريع وتوبيخ وتَبْكيتٍ.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: كُلُّ زَعْمِ في كتاب الله فالمُرادُ به الكذبُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}.
يجمعهم ليوم الحشر والنشر، لكنه يفرقهم في الحكم والأمر، فالبعث يجمعهم ولكن الحكم يفرقهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (23):

قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان إخبارهم بغير الواقع في ذلك اليوم مستبعدًا بعد رفع الحجاب عن الأهوال وإظهار الزلازل والأوجال.
أشار إليه بأداة البعد فقال: {ثم لم تكن فتنتهم} أي عاقبة مخالطتنا لهم بهذا السؤال وأمثاله من البلايا التي من شأنها أن يميل ما خالطته فتحيله- ولو أنه جبل- عن حاله بما ناله من قوارعه وزلزاله إلاّ كذبهم في ذلك الجمع، وهو معنى قوله: {إلاّ أن قالوا} ثباتًا منهم فيما هم عريقون فيه من وصف الكذب: {والله} فذكروا الاسم الأعظم الذي تندك لعظمته الجبال الشم، وتنطق بأمره الأحجار الصم، الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى التي ظهر لهم كثير منها في ذلك اليوم، وأكدوا ذلك بذكر الوصف المذكر بتربيتهم ودوام الإحسان إليهم فقالوا: {ربنا} فلم يقنعوا بمجرد الكذب حتى أقسموا، ولا بمجرد القسم حتى ذكروا الاسم الجامع والوصف المحسن {ما كنا مشركين} أي إن تكذيبهم لك أوصلهم إلى حد يكذبون فيه في ذلك اليوم بعد كشف الغطاء تطمعًا بما لا ينفعهم، كما ترى الحائر المدهوش في الدنيا يفعل مثل ذلك فهو إيئاس من فلاح الجميع: المشركين وأهل الكتاب، أو يكون المعنى تنديمًا لهم وتأسيفًا: أنه لم يكن عاقبة كفرهم الذي افتتنوا به في لزومه والافتخار به والقتال عليه- لكونه دين الآباء- إلاّ جحوده والبراءة منه والحلف على الانتفاء من التدين به، والمعنى على قراءتي النصب والرفع في {فتنة} على جعلها خبرًا أو اسمًا واحدًا، فمعنى قراء النصب: لم يكن شيء إلاّ قولهم- أي غير قولهم الكذب- فتنتهم، أي لم يكن شيء فتنتهم إلاّ هذا القول، فهذا القول وحده فتنتهم، فنفى عن فتنتهم وسلب عنها كل شيء غير قولهم هذا، فالفتنة مقصورة على قولهم الكذب، والكذب قد يكون ثابتًا لغيرها، أي إنهم يكذبون من غير فتنة، بل في حال الرخاء، وهذا بعينه معنى قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص برفع فتنة، أي لم تكن فتنتهم شيئًا غير كذبهم، فقد نفيت فتنتهم عن كل شيء غير الكذب، فانحصرت فيه، ويجوز أن يكون ثابتًا في حال غيرها- على ما مر، وهذا التقدير نفيس عزيز الوجود دقيق المسلك- يأتي إن شاء الله تعالى عند {وما كان صلاتهم عند البيت} [الأنفال: 35] في الأنفال ما ينفع هنا فراجعه. اهـ.